فضاء حر

الخطاب الديني واستحالة التمكين

يمنات

الحُقب التاريخية المختلفة التي مر بها الخطاب الديني لدى جميع الأمم أثبت فشلة في طرح الرؤى ومعالجة مشاكل المجتمعات في حدود العقل دون ترحيل قضايا الشعوب ومشاكلهم في حدود الغيبيات .



احترام إرادة الشعوب في قدراتها الذهنية والفكرية وتعقيدات المراحل المختلفة استدعت التوجه إلى الخطاب والقانون المدني كوسيلة مقبولة دون نسف بنية الإنسان ومؤسساته والتطلع دوما إلى بنائها .



وهذا القانون المدني والخطاب المعاصر مر بانحدارات وانهيارات خاصة إبان الثورة الفرنسية وسقوط الباستيل وما تلى بعد ذلك هي مراحل حقيقية أرست ثقافات الأمم والشعوب على عقلية الخطاب المدني التي تؤمن بالآخر بكل أبعادة الثقافية والفكرية والسياسية .



وهذا الامتداد لحوار الشعوب والحضارات في التخاطب مع بعضها وفق القواعد الإنسانية المثلى أثٌر بشكل فعُال على واقعنا العربي لكن ليس بالدرجة الممكنة حتى يمكن أن يحدث أي حراك حقيقي .



ثورات الربيع العربي قادتها التيارات الدينية بكل فصائلها وأبعادها وطوائفها بخطاب ديني كي تُفكك آلية الأنظمة المتآكلة دون أن تعي تماما ما هو الدور المطلوب والمرحلي منها .

هذا الخطاب الديني سرعان ما أنحسر وتراجع من المطالبة بالحرية والعدالة وحقوق الإنسان إلى البحث عن الحقيقة الغائبة لأغلب هذه الشعوب وهي البُعد الطائفي ويرجع هذا السبب لان هذه الشعوب انطلقت من قاعدة ضيقة في التغيير وهي سُقوط الأنظمة دور تأسيس خطوط عريضة للديمقراطية الممكنة وهامش واسع من الحريات .



هذا التناقض الصريح في محدودية الفكر وعدم القُبول به والتصالح مع الآخر وبناء الهوية التي تهمشت خلال عقود من الزمن لهذا الإنسان العربي .

الموقف الأصولي اليوم كمحافظ إن لم نقل متحجر يستدعي مزيدا من المرونة واللزوجة السياسية والقبول بالديمقراطية بالمجمل دون تحميلها إرثا عقائدي وديني بحيث تُولد شعوب مشوهة غير قادرة على البناء والإنتاج دون هذه المساحة المطلوبة .



بناء الخطاب المعاصر والديني بما يتناسب مع طبيعة المرحلة كأقل تقدير دون أن نخسر بعضنا في محيطنا المليء بالتناقضات هذا الخطاب الديني يجب ربطة بالتغير المدني ودون محدودية للعقل وانغلاقه على حرية المرأة والتمثيل الديمقراطي والتعايش المطلوب .



بدون الانفتاح الديمقراطي والحرية وحماية حُقوق الشعوب الفكري وإثراء العقل دون وضع القيود الدينية فإن هذا الخطاب الديني سوف يتحول إلى مصدر للكذب ودغدغة مشاعر الشعوب واستحالة تمكينه في مشروع وطني قادم للتغيير . 

زر الذهاب إلى الأعلى